تحقيقات وتقارير

فى الذكرى الـ 50 لانتصارات أكتوبر

اللقاني: كتيبتى .. أول مجموعة اقتحمت خط بارليف ورفعت «العلم»

مع آخر طائرة كانت المدفعية تضرب خط بارليف بمنتهى القوة .. وهنا أصبح صوت قلبي أعلى من صوت المدافع

حوار- ثناء القطيفي:

هل تذكر الآن كيف كان حالك يوم 6 أكتوبر .. الحرب أو الذكرى ؟ .. عموماً .. في الحالتين هو يوم للفخار .. هو يوم حتى في ليله نهار .. هو يوم للكبار .. يوم كلما أطل علينا، تبدل الحال وداعبتنا الذكريات وأسعدنا القرار .. كلما جاء أكتوبر، شعرنا للتو أن السادات اتخذ القرار.

بالرغم من مُضى 50 عامًا على حرب أكتوبر 1973، فإنها ما زالت محفورة فى ذاكرة التاريخ العسكرى، ولعل الأجيال الجديدة من الشعب المصرى التى لم تعايش هذه الفترة بدءًا من هزيمة حرب 67 التى استولت فيها إسرائيل على شبه جزيرة سيناء بالكامل، ورفعت أعلامها على الضفة الشرقية لقناة السويس وتوقفت حركة القناة الملاحية، والتى استمرت مدة ست سنوات، وانتهاء بالنصر العظيم، تدرك كلما جاءنا أكتوبر كيف أننا نستطع أن نغير وجه الحياة .. كيف أننا لا يليق بنا سوى النصر.

لقد كانت حرب أكتوبر 1973، بلا أدنى شك، أحد أهم وأعظم الأحداث التاريخية فى العصر الحديث، والتى غيرت العديد من المفاهيم والأفكار السياسية والاستراتيجية والعسكرية، ليس فى الشرق الأوسط وإنما في العالم أجمع.

«alkhbrlive»، وبمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر أجرى حواراً خاصاً مع البطل اللواء يحيى اللقاني، أحد أبطالنا الذين عبروا القناة في موجة العبور الأولى، لكن قبل تفاصيل الحوار، من المهم أن نتعرف على السيرة الذاتية، التي هي محل فخر واعتزاز كل مصري.

هو اللواء يحيى عبد المحيد اللقانى، مواليد 1952/1/4 دمنهور البحيرة، تخرج من الكلية الحربية في 1973/1/1 سلاح المشاة .. اشترك فى حرب أكتوبر 1973 ضمن وحدات الجيش الثالث الميداني ضمن قوات الموجه الأولى لعبور القناة فى 6 أكتوبر 1973 فى حرب التحرير، حتى أصيب فى 17 أكتوبر 1973، وأخلى للعلاج الذى استمر قرابة العام والنصف حتى شهر أبريل 1975 واكتمل العلاج بالمستشفى العسكرى ببوخارست برومانيا.
بعدها، عمل بمركز تدريب المشاه “1” بالهايكستب عام 1975، وانضم إلى قوات حرس الحدود فى سبتمبر 1975وتولى بها عدة مناصب قيادية، من رئيس مركز تجميع معلومات، قائد سرية حرس الحدود وضابط أمن وقائد سرية هجانة ورئيس مركز تجميع معلومات ورئيس عمليات فوق حرس الحدود وقائد مكتب مخابرات حرس الحدود بالإسكندرية وقائد كتيبة حرس الحدود ورئيس قسم الامتحانات بمدرسة حرس الحدود ورئيس عمليات قيادة حرس الحدود الشمالي ورئيس قسم الأمن المدني بمجموعة مخابرات حرس الحدود.

كما شغل البطل يحيى اللقاني، منصب رئيس مكتب مخابرات وأمن حرس الحدود الشمالي بالإسكندريه ورئيس فرع المخابرات بمجموعه المخابرات حرس الحدود وعضو مجلس إدارة نادي حرس الحدود وسكرتير نادي حرس الحدود.

وهو عضو نقابة السادة الأشراف، وحاصل على نوط الواجب العسكري من الطبقه الأولى، وحاصل على ميدالية جرحى حرب من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وحاصل على نوط الواجب العسكري من الطبقه الأولى من الرئيس السابق محمد حسني مبارك وحاصل على ميدالية العيد الفضي لحرب أكتوبر وحاصل على ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة من الطبقة الأولى، وحاصل على نوط الخدمة الممتازة من الرئيس السابق محمد حسني مبارك.

والآن إلى تفاصيل الحوار مع البطل اللواء يحيى اللقاني، الذي استعاد معنا ذكريات النصر والعبور العظيم وتفاصيل واحد من أهم أيام مصر في عصرها الحديث.

* من أين نبدأ حديثنا عن معايشتك لحرب أكتوبر بالإضافة إلى سيرتكم الذاتية ؟

– عندما كنت ضابطا صغيرا برتبة ملازم من سلاح المشاه، اشتركت فى حرب أكتوبر 1973 فى نطاق الجيش الثالث الميداني، ضمن قوات الموجة الأولى عبور، والتي صنعت النصر الأعظيم، وأنهت حالة «اللا سلم واللا حرب» ووضعت حداً لغطرسة العدو، وأعادت الأرض والعزة.

* ماذا تقصد بحالة اللاسلم واللاحرب بعد النكسة؟

هزيمة 1967 عاشها الشعب المصرى كلة، وخلفت حالة من الانكسار والخزى عامة ، أنا فعلاً كنت طالب ثانوى لكن تحملت أوزارها فى أول ارتداء الزى العسكرى .

* كيف أستقبلت مسئولية قائد فصيلة مشاة عام 1973 ؟

-كتيبتي أول مجموعة اقتحمت خط بارليف ورفعت العلم يوم 6 أكتوبر، وكنت على خط القناة برتبة ملازم مشاة في الكتيبه 24 اللواء الثامن الفرقة السابعة بالجيش الثالث، وخرجنا إلى القناة في
مشروع تدريب هندسي ولم أكن أعلم أننا سنعبر وظننت إن الموضوع مشروع تدريبي عادي كالمعتاد فقد كنا في شهر سبتمبر 1973 قمنا بمشروع حرب في الخطاطبة.

وكانت نقطة تمركز الكتيبة الخاصة بنا في مطار كبريت على البحيرات المرة، وكان أمامنا النقطه القويه شرق كبريت، ونرى الجنود الإسرائيليين على الضفة الشرقية للقناة ونتابع تحركاتهم وفي يوم 4 أكتوبر 1973 تحركنا إلى المنطقة الإبتدائية للهجوم وهي على القناة، والمحدد لنا العبور منها وكانت جنوب البحيرات المرة.

وكانت هذه المنطقة تم تجهيزها من المجموعات السابقة لنا من خلال عدد من شركات المقاولات المصريه الوطنية، وكانت تقوم بعمل مرابض نيران ومدفعية وتجهز المنطقة وتقوم بعمل سواتر ترابية تصل إلى 30 متراً وهي أعلى من إرتفاع خط بارليف «17 مترا» على الضفة الغربية للقناة، وكان ذلك بتوصية من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لرفع معنويات الجنود خاصه أن إسرائيل وهي تقوم بأعمال البناء والتعلية لخط بارليف كانت تردد أن ما يوجد خلف الساتر الترابي «خط بارليف» سوف يقضي على المصريين اذا فكروا في عبور القناة.

* وماذا عن ساعة الصفر؟

– بعد تعلية الساتر الترابي، رأينا ما يوجد خلف خط بارليف .. مجرد صحراء و 33 نقطة قوية، وفوجئت بانضمام كتائب استصلاح وجنود جدد تم ضمهم على القوات الخاصه بي، فقد كان ضمن خطة الخداع الإستراتيجي تسريح دفعات من الجيش على أساس أننا لن نحارب، ولكن تم إستدعاء هؤلاء الجنود مرة أخرى.

ولأنني كنت أعرف كل جندي معي في الفصيلة وأحفظه عن ظهر قلب، وجدت من بين العساكر الجدد في الفصيلة من هم قدامى حيث حصلوا على ترقيات عسكرية وهو ما يدل على انهم كانوا بالخدمة وقضوا فترة طويله بها، فقد رأيت منهم من كان رقيب أول، وهذا الأمر أقلقني ، بالإضافة إلى إنضمام 2 قاذف لهب إلى الفصيلة ثم جاءت إلينا فصيله “ميم دال” وهي المدافع المضادة للدبابات وانضمت إلى القوات التي معي، فبدأ يتسرب إلى قلبي القلق وأن هناك أمراً ما سيحدث ولكن ليس لدي ما يؤكد هذا.

وفي عصر “يوم 5 اكتوبر” كان قائد السرية النقيب ماهر أبو المجد علي، والذي أخذنا نحن قادة الفصائل أنا وعبده طه ويوسف هلال، وصعدنا على الساتر الترابي في الضفة الغربية للقناه وأعطانا تفاصيل الخطه 200 وتوكيد خروج القوارب وتوقيتات خروج القوارب والفتحات الشاطئية، وميعاد عبور الموجة الأولى في الثانيه والثلث.

ويوم 6 أكتوبر الساعه الثانيه عشر ظهرا صدرت لنا الأوامر باحتلال نقط الملاحظة لأول مرة، ثم قمنا بحفر حفر برميلية وتم وضع القوارب بها حتى لاتتعرض لأي قصف، وحفرة طويلة يتم تجهيز القارب فيها للاستخدام، وكان القارب مقسما إلى غرف فى حالة وجود قطع فى أحد أجزاء القارب لا يغرق القارب، وكذلك كان معنا أربع زوايا حديدية وبكره حبل بارلون، و 2 سلم خشب ومواسير النابلم.

بدأت في النظر إلى مياه القناة ومواسير النابلم الهابطة من الساتر الترابي على مياه القناة، ثم تذكرت المقالات التي قرأتها من قبل على أن الموجه الأولى للعبور خسائرها تقدر ب 80% والعشرين بالمائة سوف يكملون المهمة، وتجمعت في عقلي الكثير من الأفكار وتذكرت ماقاله الزملاء القدامى من أن إسرائيل قامت بتجربة النابلم فأشعلت مياه القناة.

ونحن سوف نعبرالمياه وفق المشروع بقوارب مطاطية، بالإضافه إلى أن كلاً منا يحمل ذخيرة أي كلنا قابلون للاشتعال، كل تلك الأفكار ملأت رأسي بعد تلقي الأمر باحتلال نقطة الملاحظة بدلا من الجندي، كل ذلك من الساعه 12:30 ظهرا حتى الثانية وعشر دقائق بعد الظهر، وفجأة وجدت الطيران المصري عائداً من سيناء ومن فوق رأسي في نقطة الملاحظة شاهدت مصرياً على الطائرة العائدة، ومع آخر طائرة كانت المدفعية تضرب خط بارليف بمنتهى القوة وهنا أصبح صوت قلبي أعلى من صوت المدافع .

في الساعه 2:20 توقفت المدفعية عن الضرب وانطلقنا ناحية القناة من خلال الفتحة المجهزة في الساتر الترابي بالضفة الغربية، وباتجاه مياه القناة كل قارب قام جندي بدق الزاوية الحديدية في الضفة الغربية للقناة، وربط بها الحبل وركب القارب ومعه زملاؤه ووصلنا إلى الضفة الثانية، وفي ذلك الوقت كانت سرعه التيار «صفر» وعند وصول المركب قام بربط الطرف الآخر من الحبل بزاوية حديدية أخرى قام بدقها في الضفة الشرقية للقناة.

والآن التيار في قناة السويس تغير كل 6 ساعات، مرة كانت هذه الحبال من الشمال للجنوب،ومرة من الجنوب للشمال، لذا كانت هذه الحبال ضرورية لتحكم حركة القوارب في العبور لتأمين وصول القوات أسرع إلى الضفة الشرقية.. كان المشهد مهيبا وتحولت مياه القناة إلى رؤوس بشرية تزحف باتجاه الضفة الشرقية، لاتستطيع منها رؤية المياه، ولأننا لسنا الموجة الوحيدة التي سوف تعبر القناة حتى يتم تركيب الكبارى، لذا كان لابد من تركيب هذا الحبل، حتى يصبح القارب مثل المعدية، عندما يزيد التيار يتم الإمساك بالحبل .

* ما أبرز المواقف العالقة فى ذهنك من وقت المعركة؟

– بعد الوصول للضفة الشرقية، ظلت أعيننا تراقب أعلى الساتر الترابي، لنرى هل سوف يقوم الاسرائيليون بضربنا من أعلى، ومرة أخرى تذهب أعيننا على مواسير النابلم متى تفتح ؟ .. وهل سنكون ضمن الـ 80 بالمائة أم العشرين بالمائة، وصلنا للضفة الشرقية وعلى الفور طلبت من فرد «الآر بي جي» إحتلال الساتر لمواجهة أي دبابة أ وعربة مدرعة إسرائيلية قادمة باتجاهنا ومعه فرد الرشاش الخفيف لحمايته.

صعد الجنديان إلى أعلى الساتر وصعد بعدهما مباشره من يحملون السلم الخشبي، وكان هذا السلم لتسهيل صعود المدافع على الساتر الترابي خاصه أنه هش، ثم إحتلال الساتر، كموجة أولى للعبور، ورفعنا علم مصر وبعدها خرجت الموجه الثانيه من الخنادق للعبور، وعبر بعدها مباشره 80 الف جندي للقناة.

وعقب إحتلال الساتر قام المهندسون العسكريون مباشره بفتح الثغرات من خلال خراطيم المياه حتى تم فتح الفتحات في خط بارليف، وتقدمنا وحمينا الموجة الثانية للعبور التي جاءت واحتلت مكانى وتقدمنا نحن في سيناء، ولك أن تتخيلي أننا يوم 6 أكتوبر حفرنا عدداً ضخما من الحفر البرميلية حيث كنا كلما حفرنا لنكون مكانا آمنا من القصف الاسرائيلي ياتي الأمر تقدم، فنترك تلك الحفر ونتقدم للأمام، وهكذا .

وفي مساء 6 أكتوبر كانت هناك دورية إسرائيلية تائهة وصلت إلينا ونحن داخل الحفر البرميلية، وتقدمت إحدى دبابات العدو باتجاهنا فقام فرد “الآر بي جي “بالتصويب عليها وقام بإصابتها إصابة مباشرة.

ظللنا على أمل أن تاتي الطائرات تلقي لنا بالمواد الغذائية، وكان معنا تعيين قتال ليوم واحد، وفي صباح يوم 7 أكتوبر كانت هناك صعوبة في عمل الكباري لأن إسرائيل ركزت مدفعيتها بالقوات الجوية على القناة، وحدث تأخير في الإمداد وظلت القوات التي تتقدم في سيناء، ونحن كقوات مشاة مترجلة مهمتنا أن نظل كل يوم نكسب أرضا جديدة، وحتى يوم 17 أكتوبر أصبت وتم إخلائي من أرض المعركة.

.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى